إستحالة إدارة الوطن بسيفين في غمد واحد !
يمنات
كهلان صوفان
ترددت كثيراً قبل كتابة هذا المقال حتى لا يساء فهمه من قبل أحد الأطراف الرئيسية الواقفة ضد العدوان على اليمن واتهامي بالخيانة العظمى، التي أصبحت تُلقى جزافاً على أي شخص أبدى رأيه الشخصي بعد صموده في وجه العدوان لأكثر من عامين ونصف العام، ولكني آثرت الكتابة نظراً لخطورة المرحلة وتربص المعتدين ومرتزقتهم لإقتحام العاصمة صنعاء وبقية المحافظات الصامدة، ونظراً للحالة المأساوية التي وصل إليها المواطن بدون مرتبات لقرابة العام، ولا غذاء ولا دواء، ولا حماية من تغوّل السوق السوداء وأصحاب الديون المتراكمة في ظل العبث الحاصل بالمال العام دون رقيب ولا حسيب، وعدم ضبط الموارد، ونظراً لتفاقم الأزمة السياسية بين الحليفين وشريكي الحكم في العاصمة صنعاء، حزب المؤتمر الشعبي العام وجماعة أنصار الله، ووصولها حد الإنفجار، بعد إصرار الأول التحشيد لمنتسبيه من كافة مديريات الجمهورية إلى ميدان السبعين، احتفاء بالذكرى ال 35 لتأسيسه لإيصال رسائل سياسية خارجية وداخلية؛ ورفض الأخيرة لذلك التحشيد الحزبي بتحشيد آخر يقابله واعتصامات مسلحة لمنتسبيه وأنصاره من أبناء القبائل عند مداخل العاصمة الأربعة، شبيهة بتلك التي حدثت قبيل ثورة 21 سبتمبر 2014 (التي تراجعت الجماعة عن استكمالها مفضلة الدخول في شراكة سياسية مع حزب المؤتمر) وذلك بهدف إيصال رسائل سياسية للخارج والداخل أيضًا.
ولن ندخل هنا في تحليل الرسائل التي أراد كل طرف توجيهها من حشده وصوابية موقفه من عدمه، ولكننا نستشف من ذلك التصعيد والتصعيد المقابل وتبادل الاتهامات بين قيادات وقواعد الطرفين من أن هناك أزمة حقيقية وشرخ عميق في جدار الشراكة بين الحليفين ينذر بكارثة حقيقية، لا قدر الله، ستعم كافة أبناء الشعب اليمني دون استثناء نتيجة للإنهيار المفاجئ لذلك الجدار الذي صمد في وجه العدوان لما يقارب الثلاثة الأعوام، ولن يصبح لليمنيين مكان آمن في الوطن يلجؤن إليه.
ومن خلال المكاشفات العلنية التي وردت مؤخرًا على لسان قائد الجماعة وزعيم المؤتمر وعلى لسان عدد من قياداتهما، والتي سبقت تنظيم الفعاليتين بأيام، يتضح أن الخلاف في جوهره بسيط ولا يستدعي كل ذلك الفعل ورد الفعل، لأن الأهداف والغايات المعلنة لكليهما تصب في خدمة هذا الشعب وهذا الوطن وترفض العدوان والوصاية وترفض العملاء والخونة، ولكن الخلاف يكمن في أدوات ووسائل الوصول لتلك الأهداف، وفقا لطبيعة تفكير وأدبيات وخلفيات كل مكون، وكان أيضاً لأزمة الثقة المتصدعة بين الحليفين (والتي أشرنا إليها في مقال سابق بمعالجات عملية لإدارة الشأن العام ولم تنفذ) دوراً في تفاقم الأزمة السياسية الحالية والتي بدأت تتوسع أكثر عقب إطلاق البرلمان لمبادرة سياسية لإنهاء العدوان والحصار، توافق على صياغة بنودها ممثلي الطرفين في البرلمان ثم رفضتها قيادة الجماعة جملة وتفصيلا من خلال بيان صدر عن ممثليها في حكومة الإنقاذ الوطني. ولن ندخل هنا في تفاصيل أكثر حول المبادرة وما تلاها من ردات فعل واتهامات للبرلمان بالخيانة من طرف الجماعة وقياداتها.
أنا في الحقيقة لا أوجه اللوم لطرف بعينه دون آخر في التعامل مع الأزمة الحالية بقدر ما أريد القول بأن إدارة الدولة وأجهزتها بهذه الكيفية خطأ إستراتيجي ولن يحقق النتائج المرجوة التي يصبو إليها شعبنا اليمني العظيم لسببٍ بسيط أعبر عنه في مثل مشهور يقول أنه لا يستقيم سيفين في غمد واحد. ومثل آخر يقول “رئيسين في مركب واحد تغرق” كيف ذلك؟
جماعة أنصار الله تريد الفعل الثوري لإدارة الحرب والشأن العام، بحكم نزعتها الثورية وقيادة ثورة 21 سبتمبر 2014م، ولذا أبقت على أدوات الثورة ممثلة في اللجنة الثورية العليا رغم موافقتها على استبدال الثورة باتفاق سياسي وشراكة مع حزب المؤتمر وتكوين مجلس سياسي أعلى لإدارة البلاد بصورة مشتركة بدلاً من الإدارة المنفردة عبر اللجنة الثورية؛
بينما حزب المؤتمر الشعبي العام غير معترف بثورتي 2011 و 2014 ويريد الفعل الدستوري وإدارة الدولة وفق الأدوات التي حددها الدستور عبر المؤسسات الدستورية التشريعية والتنفيذية والقضائية وعدم التدخل في شؤونها من أي طرف من خارجها.
حيث دخل في الشراكة مع جماعة أنصار الله وفقا لهذه الشروط.
وكما تعلمون أن كل فعل له أدواته ووسائله، والجمع بين الفعل الثوري والفعل الدستوري يعد من قبيل العبث والتصادم في نهاية المطاف.
وبالتالي أمام جماعة أنصار الله خيارين لا ثالث لهما :
الخيار الأول
إما أن تستمر جماعة أنصار الله في الشراكة مع حزب المؤتمر الشعبي العام وبقية المكونات السياسية وتتخلى عن الثورة وأدواتها، الممثلة في اللجنة الثورية العليا ولجانها الشعبية والرقابية، واستيعابهم، وفق آلية متفق عليها من قبيل الإعتراف بفضلهم، ضمن هياكل الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية والرقابية وعليهم الامتثال لتوجيهات قيادات هذه الأجهزة وسياساتها دون غيرها.
وكذا على الجماعة العمل وفق الأدوات الدستورية بالتحول إلى حزب سياسي وفقا للقانون ليستقيم وضعها الدستورى والقانوني ولكي يتم الترتيب لانتخاب الدوائر الإنتخابية الشاغرة بدلا عن المتوفيين كخطوة أولى تمنح البرلمان أغلبية الثلثين التي حددها الدستور لإسقاط عضوية الخونة من أعضاء البرلمان وانتخاب بديلا عنهم ولاسقاط الإتفاقيات الثنائية مع دول العدوان وغيرها من القرارات السيادية. وكذلك للترتيب لانتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة، ولو في المناطق الخاضعة للسيطرة كخطوة أولى، لإعادة السلطة للشعب. امتثالا لإستراتيجية إدارة الحرب والبلاد وفقا لسياسة النفس الطويل وارغام دول العالم بالاعتراف بنا.
الخيار الثاني
وإما على جماعة أنصار الله فض الشراكة مع حزب المؤتمر وبقية المكونات السياسية والمضي في استكمال ثورة 21 سبتمبر وإعلان بيانها رقم 2 وتسليم اللجنة الثورية العليا التابعة للجماعة إدارة شؤون البلاد والحرب وحل المؤسسات الدستورية وتوقيف العمل بالدستور لحين انتهاء العدوان والحرب وترتيب أجهزة الدولة وفقا لظروف وأولويات المرحلة..وما إلى ذلك من إجراءات ثورية لضبط الأمن العام وحركة السوق والاقتصاد وحل مشاكل المواطنين وتوفير المرتبات والخدمات…الخ.
قد يسألني سائل لماذا الخطاب موجه لأنصار الله فقط وكأنك تحملهم مسئولية كل ما حدث؟ أقول بالعكس للجماعة فضل التحول الإيجابي الحاصل في الوطن وتفتيت مراكز النفوذ التي كانت تتحكم في البلاد والعباد، ولهم فضل التخلص من أكبر منظومة عملاء في العالم، ولهم فضل إنهاء الوصاية السعودية على اليمن التي استمرت لعقود وحالت دون تطور اليمن، ولها ولها… لكن توجهت بمخاطبتهم لكي تتضح لهم الصورة كاملة لأنهم سلطة الأمر الواقع عقب ثورة 21 سبتمبر 2014م وما زالت بأيديهم مقاليد الأمور، كما أن زعيم حزب المؤتمر قد أبدى استعداد حزبه للانسحاب من المجلس السياسي والحكومة وترك الجماعة تدير الدولة منفردة وأنه سيكون عونا لها. كما أن بقاء الوضع كما هو عليه الآن في الجمع بين الفعل الثوري والفعل الدستوري لا يخدم الوطن ولا المواطن ولا حتى جماعة أنصار الله.